شبكة سورية الحدث


بعد أن كانت المحرك الأساسي للمجتمع... الطبقة الوسطى تدق ناقوس الخطر منذرةً بتلاشيها

بعد أن كانت المحرك الأساسي للمجتمع... الطبقة الوسطى تدق ناقوس الخطر منذرةً بتلاشيها
بقلم محمد الحلبي – رولا نويساتي يقاس استقرار المجتمعات باتساع رقعة الطبقة الوسطى واستقرارها، فهذه الطبقة هي محرك النشاط والاستمرار للاقتصاديين، فكيف به الحال إذا تحولت هذه الطبقة البشرية الواسعة إلى عالة على المجتمع، وباتت تحتاج إلى الدعم والإنفاق عليها، وكيف هو الحال إذا ما نزل العديد من تلك الطبقة إلى طبقة الفقراء والمحتاجين بعد أن كانت هذه الطبقة "الطبقة الوسطى" هي صمام الأمان للوطن، كونها تضم أطياف شرائح المجتمع من أطباء ومهندسين ومعلمين وعمّال وتجّار... إلخ.أرقام وإحصائياتأعلن رئيس اتحاد غرفة التجارة بدمشق غسان قلاع أن الطبقة الوسطى تكاد تتلاشى، فهي مستمرة في الذوبان منذ بداية الأزمة..جاء ذلك خلال ندوة أقيمت بالتعاون بين غرفة تجارة دمشق وجمعية العلوم الاقتصادية وجامعة دمشق.. حيث قال رئيس جمعية العلوم الاقتصادية كمال شرف أن معاناة الطبقة الوسطى بدأت قبل بداية الأزمة، وتحديداً في عام 2010، حيث كانت تشكل من 60% إلى 80% من تركيبة السكان، وهي نسبة مشابهة للدول المماثلة في النمو مقارنةً بمستوى الأسعار..وبدوره أوضح الدكتور أكرم الحوراني -  مدرس في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق -أن نسبة السكان توزعت في عام 2010 على 15% في حالة فقرٍ مدقع، و20% من طبقة المستورين، و60% من الطبقة الوسطى، وأن هذه الطبقة الأخيرة تضرَّرت في عام 2016 بشكلٍ كبير عندما تراجع الدخل القومي إلى نحو 60%، وارتفعت الأسعار 700%، وتغيرت حاملة التنمية وركيزة الاستقرار، وظهرت أشكال اجتماعية واقتصادية جديدة ركبت موجة الحرب واتخذت صورة الكسب الغير مشروع عن طريق التهريب والاحتكار..وحسب دراسة أعدها الباحث الاقتصادي عمّار يوسف أن إجمالي خسائر القطاعات الاقتصادية والخدمية خلال الأزمة بلغت 1170 مليار دولار، كان أعلاها في القطاع السكني حيث بلغت خسائره 500 مليار دولار..الحالة تعبانة ياليلىمن يمشي في طرقات وحارات المناطق الراقية يشعر بالفرق الشاسع الذي أنتجته الأزمة بين الطبقات الاجتماعية.. هكذا بدأ السيد (عماد) موظف في إحدى الدوائر الحكومية بدمشق حديثه إلينا قبل أن يتابع قائلاً: البعض يُقبلون على أغلى المطاعم والمقاهي، ويذهبون إلى محال الماركات ليشتروا بالأسعار الخيالية ما يحلو لهم، وآخرون بالكاد يتدبرون لقمة عيشهم.. منذ مدة وابني يريد شراء حذاء رياضي من إحدى الماركات، ولكي أشجعه على الدراسة قرَّرت شراء ذلك الحذاء له قبل أن يصعقني سعره الذي زاد عن 30 ألف ليرة سورية، أي أكثر من ثلاثة أرباع راتبي الذي لا يتجاوز الأربعين ليرة سورية في الشهر بأحسن حالاته، وأشد ما آلمني هو زحمة الناس في هذا المحل وأبنائهم يحتارون بين الألوان والموديلات وأنا أقبض على راتبي بيد وأمسك يد ابني باليد الأخرى ونحن نقفل عائدين من حيث أتينا بخفي حنين..أما السيد (أبو ماجد) موظف فقال: كنّا من أصحاب الدخل المحدود قبل أن يصبح معدوماً، وأعترف أن الراتب في السابق كان يجعلنا نعيش مستورين حتى نهاية الشهر، فهو إن لم يكن يغنينا لكنه يسترنا كما ذكرت، إلا أنه اليوم بتنا نحتاج فوق الراتب إلى أربع أو خمس رواتب أخرى في ظل هذه الظروف التي نعيشها..أزمات متلاحقة تقضي على كل نفسٍ فينا، فمن أزمة الغاز التي وصل سعر جرة الغاز فيها إلى 4500 ليرة سورية إلى أزمة المياه، إلى ارتفاع أسعار المحروقات، فأي راتب يستطيع حمل كل تلك الأعباء، هذا عدا عن أجار البيوت ومتطلبات الحياة الأخرى..فيما قالت السيدة (آمال) أنها تخلَّت عن أشياء كثيرة من احتياجات المنزل الضرورية كي تستطيع الموازنة بين راتبها وراتب زوجها مع المصاريف الشهرية لعائلتها، فسقطت اللحمة بأنواعها من حساباتها، واستبدلت السمنة بالزيوت واستعاضت عن اللحوم بنكهات (مرقة الدجاج) المتوافرة في الأسواق، حتى وصل بهم الأمر إلى ترشيد استهلاك الغاز والمياه، فهي غير قادرة على ملء خزان المياه بعشرة آلاف ليرة كل يومين أو ثلاثة، ولا يمكن لها أن تشتري جرة الغاز بـ (4000) ليرة كما تُباع في السوق السوداء..الحرب ساهمت في القضاء على الطبقة الوسطىكثيرون هم من فقدوا استقلاليتهم المادية وانضموا إلى ركب الفقراء، فمنهم من دُمّرت بيوتهم ومنشآتهم الحرفية وورشات عملهم، وفقدوا كل ما ادخروه قبل الأزمة، ومنهم من طحنته الأزمة الاقتصادية وتداعياتها من ركود وانعدام فرص العمل وضعف الإنتاج والتسويق..السيد (أبو وسيم) كان يملك كراجاً كبيراً لإصلاح السيارات في ريف دمشق، وكان يعمل في منشأته أكثر من عشر عمّالٍ على حد قوله.. نزح من بيته صوب العاصمة ليجد مسكناً متواضعاً مع أسرته المؤلفة من خمسة أطفالٍ، وليشتري بما حمله معه من مال قبل نزوحه بعض المفكات والعدد الصناعية الخفيفة ليفترش الأرض في منطقة البرامكة ويقوم بإصلاح السيارات هناك، لكن كما يقول أن محافظة دمشق لم ترحمهم أيضاً عندما صادرت العدد وأجبرتهم على الرحيل..ختاماً..عوامل كثيرة دفعت بالطبقة الوسطى إلى القاع تحت خط الفقر، ساهم فيها أثرياء الطبقة المخملية باستغلال حاجيات هذه الطبقة، بالإضافة إلى تُجَّار الأزمة الذين راحوا يتاجرون بلقمة عيش الناس، ناهيك عن استنزاف موارد الدولة وتدميرها من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة، وآخرها تدمير نبع عين الفيجة، وربما كان لعجز التعليم عن تحقيق مستوى عيش كريم أو عمل لائق يسهم إلى درجة كبيرة بالقضاء على هذه الطبقة، فلم يعد مستغرباً اليوم أن تجد معلماً يعمل سائق تاكسي، أو مهندساً يعمل نادلاً في مطعم، أو خريجاً جامعياً يعمل (صبي نارة) في مقهى ودون الحد الأدنى من الأجور.. كل ذلك من أجل تأمين لقمة عيش تضمن لهم استمرارية الحياة أملاً بإيجاد ذلك الضوء الذي يقولون إنه في نهاية النفق الذي طالت سنوات مسيرنا فيه..
التاريخ - 2017-02-13 3:56 PM المشاهدات 1506

يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرامانقر هنا