سورية الحدث الإخبارية-السويداء-معين حمد العماطوري
يعد شهر تموز من الأشهر الحزينة في تاريخ سورية المعاصر والذي حمل في نصفه إنذار دخل التاريخ من أبوابه الواسعة، والمعروف بإنذار غورو أثناء دخوله لدمشق، وبدء مرحلة الانتداب الفرنسي على سورية، وكذلك في الخامس والعشرين من تموز منذ عامين حينما حاول خلسة دواعش الإرهاب اقتحام القرى الشرقية من جبل العرب، ولعمري ما حققه أهل الجبل وفزعتهم ونخوتهم وإصرارهم على الصمود والتصدي لأعداء الحق والإنسانية جعلهم يدخلون التاريخ وتتصدر بطولاتهم الصحف العالمية والعربية والمحلية، خاصة حينما علقوا مشانق الدواعش على أعوادهم في ساحة عرفت بساحة المنشقة، وهذا العامل جعل العالم يقف بدهشة أمام صمود وإرادة أهالي الجبل ونخوة السوريين، للتصدي ماضياً ضد الاستعمار الفرنسي واليوم ضد الإرهاب الداعشي التكفيري، ويكمن الذهول أنه بنصف عدد الدواعش التي هجمت القرى الشرقية قد احتلت مدناً، بينما لم يصمدوا أمام بواسل وعقبان الجبل أكثر من ساعتين، ويبقى إنذار غورو الفيصل المحوري في التاريخ المعاصر لما يحمل من تبعيات تاريخية، فقد شمل تهديده الأراضي السورية، هذا ما أوضحه الباحث المهندس سميح متعب الجباعي في كتابه "من ذاكرة الثورة بين عامي 1920 و1939 متعب الجباعي، أي أن ما دون من وثائق وحقائق كانت ذات مصدر موثوق علمية ومنهجياً...
وقد بين الباحث المهندس سميح الجباعي بالقول: "ما إن قرر الجنرال غورو دخول دمشق حتى بعث بالكولونيل (نجيه) من بيروت إلى دمشق لمقابلة الملك فيصل يوم 14 تموز 1920، وقدّم له إنذاراً خطيّاً يتضمّن:
1- الاعتراف بالانتداب الفرنسيّ دون قيد أو شرط.
2- حلّ الجيش السّوري.
3- إلغاء التّجنيد الإجباري.
4- ملاحقة الثّوار.
5- قبول التّعامل بالعملة الورقيّة التي تصدرها فرنسا.
6- وضع سكّة حديد رياق حلب تحت تصرّف القوّات الفرنسيّة.
وأُعْطِيَ الملك فيصل مهلة أربعة أيام لقبولها، وكان الرّأي العامّ السّوريّ منقسماً فيما يخصّ الإنذار إلى اتّجاهين: فالاتّجاه الأوّل يرفض الإنذار، والثّاني يميل إلى قبوله، وفي كلتا الحالتين معناه الاستسلام والاحتلال. فدعا إلى اجتماع المؤتمر السّوريّ في قصره، حيث صدمهم بقبوله للإنذار الفرنسيّ، فهاج الرأي العامّ وانتشرت الفوضى، فاضطرّت الشّرطة للتّدخّل والتّهدئة، فقُتل أكثر من مئة شخص عدا الجرحى. وعندما علمت الأوساط الوطنيّة بما يُكنُّه الملك فيصل، وأنّه يتّجه نحو قبول الإنذار والانتداب وشروطه المخزيّة، قرّر الشّعب -بكافّة فئاته – ألاّ يُسلِّمَ بلاده لُقمةً سائغة في فم الاستعمار، حيث سارعَ وزير الدّفاع السّوري يوسف العظمة آنذاك، إلى تأليب وتحريض الشبّان الأحرار وما تبقى من الجيش المسرّح للدّفاع عن قدسيّة الوطن وترابه، بالرّغم من قناعته بعدم التّكافؤ بين المدافعين والرّافضين للانتداب وبين الجيش الفرنسي، الذي كان يفوقهم عددا وعدّةً. فكانت المواجهة في يوم 24 تموز عام 1920، حيث تصدّى يوسف العظمة ومن معه من الأبطال لقوّات الجيش الفرنسيّ في معركة ميسلون الشّهيرة، التي استمرّت نحو السّاعتين، استُشهد خلالها ما يزيد على ثمانمائة شهيدٍ، بعد أن قاتلوا بشجاعة وبسالة منقطعة النّظير. ومن بينهم الشّهيد يوسف العظمة.
وتابع المهندس سميح الجباعي بالقول: في اليوم التّالي دخل الجيش الفرنسيّ بقيادة الجنرال غورو إلى دمشق، وسط أجواء من الحزن والألـم.
وعندما علم الملك فيصل بدخول غورو إلى دمشق غادر وبعض رجال حكومته إلى قرية الكسوة جنوباً، بعد أن كلّف علاء الدّين الدّروبي بتشكيل حكومة مؤقّتة للتّفاهم مع الجنرال غورو، لكنّ الجنرال غورو أصدر أوامره بمغادرة فيصل البلاد نهائيًّا، في الوقت الذي كانت فيه ثورة الشّيخ صالح العلي على أشدّها في منطقة السّاحل وجبال اللاّذقية، مُغيرة على الثّكنات العسكريّة والمخافر الفرنسيّة، ووقعت عدّة معارك بين ثوّار السّاحل والفرنسيّين، ممّا اضطرّ المحتلّين إلى أن يُسيِّروا قوّات كبيرة للقضاء على الثّورة التي بدأت في أواخر عام 1918.
وقد اتّخذ المجاهد إبراهيم هنانو من جبل الزّاوية قاعدة لأعماله العسكريّة، ونجح في الاستيلاء على مدن عديدة في الشّمال، وهزم الفرنسيّين في عدّة معارك، وغطّت ثورته المنطقة الشّماليّة كافّةً، حلب وادلب وما حولهما. وكانت ثورته على صلة دائمة بثورة الشّيخ صالح العلي في جبال السّاحل، ورفض عرضاً فرنسياً بتشكيل حكومة محلّيّة في الشّمال، وحين أخفقت ثورته أمام الجيوش الفرنسية انسحب إلى حمص ثم إلى السّويداء، والتجأ إلى الأردن، فاعتقلته السّلطات الإنكليزيّة وسلّمته إلى السّلطة الفرنسيّة التي أعلنت براءته. ثم انتُخب عضواً في المجلس التّأسيسي عام 1928، في الوقت الذي كانت فيه سوريّة بركاناً ثائراً بوجه المستعمر في كلّ مكان من بقاع الوطن، في حلب وحمص وحماة ودير الزّور والجزيرة والسّاحل والجولان وحوران وجبل العرب (جبل الدّروز)، وتوالت الثّورات في كلّ مكان، وبرز العديد من المجاهدين الأبطال. وحينما وضعت فرنسا يدها على سوريّة أوّل ما بدأت به هو تقسيم البلاد إلى دويلات: دولة دمشق، ودولة حلب، ودولة اللاذقية، ودولة جبل العرب. وعندما لمس غورو النّقمة من الأهالي على التّجزئة عمد إلى اتّحاد يضمّ حلب ودمشق واللاذقيّة، وبقي جبل العرب مفصولاً عن سوريّة الأمّ، وتمّ ذلك عام 1921، وبدأت الثّورات تتوالى، واستمرّ النّضال أعواماً وأعواماً.
وتكريماً لبطل معركة ميسلون الشّهيد يوسف العظمة أُلقيت على قبره مراثٍ عديدةٌ انبثقت من الرّوح الوطنيّة الكامنة في النّفوس، وكان من جملتها قصيدة للشّاعر خليل مردم بك، نشرتها جريدة المقتبس، أوردُ بعض أبياتها حيث يقول فيها:
اِعكفْ على جَدَثٍ في عَــدوةِ الــوادي بِـمَيسلونَ سقاهُ الـرّائِحُ الـــغـــــــــادي
واجْعَلْ تحيَّةً عِنـدَ الطَّــــوافِ بِـــــــهِ ريحانَـةَ النَّفسِ لا رَيــحـــانَـةَ الْوادي
بِــنــــا على يوســفَ إذ حُمّ مَـصـرعُــهُ أَحـزان يـعقــوب مِن خافٍ ومِـن باد
هَـــــــوى وَحُـلَّـــــتُـــــهُ حَمـــــــــراءُ مِــــــــن دَمِـــهِ كالـــشَّمسِ حينَ هَوَت في ثوبِها الْجادي
من أراد قراءة القصيدة كاملة لابد من العودة لكتاب من ذاكرة الثورة المتضمن القصيدة بالكامل.
ـخيراً يمكن القول أن الترابط المعرفي بين تاريخين منفصلين يجعل المرء يكون صورة لتاريخ منطقة مكان يحمل المآثر والباحث آثر التوثيق الأحداث والوقائع بمصداقية ومهنية عالية حينما عاد إلى الصحف العالمية والوثائق التاريخية من مصادرها والمعاصرين للمعركة وما دون الكتاب والمؤرخين بعمل فيه من المقارنة والمقاربة للوصول للمعلومة بتقاطع معرفي ذو دلالة ثقافية تاريخية وأمانة علمية....وللحديث بقية في خضم الأحداث لمعركة ميسلون....
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا