سورية الحدث الإخبارية- السويداء- معين حمد لعماطوري
لعل المتتبع لأحداث الثورة السورية الكبرى ومجرياتها من معاصريها ومؤرخيها، يشعر أنها تحمل بين طياتها أحداثاً جسام لشخصيات دخلت الذاكرة من أبواب متنوعة ومتعددة، قد لا نتوافق مع تفكير ورؤية تلك شخصيات لما شكلته من إشكاليات في التاريخ المعاصر، ولكنها كان لها دور في تمكين العلاقة بين المناطق وخاصة ضمن الأرض الواحدة لبلاد الشام الجامعة لتاريخ مشترك بين شعبها، وحين كان الجهل وسياسة الفرنسة وآثار سياسة التتريك منتشرة بفعل الاستعمار الهادف تغليب سياسة الجهل والتخلف على المعرفة والعلم، كانت تلك الشخصيات تحمل تنويراً علمياً وثقافياً معرفياً، ولها مساهمات وطنية وفق رؤية وطبيعة الزمان والظرف مع مراعاة الوظيفة والمكانة الاجتماعية والعلمية، ولعل ذلك سبب في اطلاق احكام على تكوين ومكونات تلك الشخصيات من الناحية الانتمائية العقائدية، والفكرية العلمية التنويرية...
وهنا يأتي دور المؤرخ في نقل وإيضاح تلك الصور والمشاهد على اختلاف الطرق والأساليب والأهم في تكريس المصداقية والحيادية، من خلال ذكر تلك الشخصيات الإشكالية في سياقها الطبيعي ومنحها حق الوجود بالعمل وآثاره الإيجابي وهذا يتطلب ضمائر وجدانية صادقة عند المؤرخين والباحثين الذين يغنون المحتوى الثقافي والتاريخي بالأحداث والوقائع، بحيث بات من المفيد إظهار جمال مصداقية المؤرخ الحيادي الموسوم بوشاح الانتماء لهدف إنساني وأخلاقي وقيمي، بمعرفة المعلومات أو الإضاءة على تلك الشخصيات وفق سياقها وتموضعها وانعكاس عملها، عندها تصبح الذاكرة غنية في جواهرها المكمنة ودررها الثمينة، وبالتالي يصبح التاريخ عامل ربط بين الثقافات والشخصيات والأمكنة، وينشر عبير العروة الوثقى بين الأطياف على اختلاف تنوعها وأنماطها، وهذا النهج والأسلوب الذي اتبعه الباحث المهندس سميح متعب الجباعي في كتابه "ذاكرة الثورة 1920-1939 المجاهد متعب الجباعي" وما تضمنه بإضاءة خاطفة على شخصية المجاهد والمترجم "عبد الله النجار" إذ لدى البحث في المواقع الالكترونية وموسوعة ويكيبيديا تبين أن عبد الله بن منصور علي النجار ولد في بيت مري سنة 1898 في عائلة الدرزية من بنو النجار، تعلم في مدرسة بلدته ثم في مدرسة برمانا العالية ثم الفرير ثم الجامعة الأميركية في بيروت فأحسن العربية والإنجليزية والفرنسية وترك الجامعة بعد أن درس الطب سنتين ليلتحق بالمملكة العربية السورية رئيساً لقلم الترجمة وأسس مع إخوان له الرابطة القلمية، وعمل مديراً للمعارف في حكومة جبل الدروز سنة 1923، يومذاك وفق التسمية الاستعمارية لجبل العرب...
وكان له دور كبير في تسوية الخلافات التي كانت تقع بين دروز الجبل والفرنسيين، وندب أثناء الثورة الدرزية لعدد من المهمات الجسام، وكان العضو الفعال في لجنة الوفاق التي ضمته مع حمد بربور وعلي عبيد ويوسف الشدياق. «والذي زاد في متاعبه أن الفرنسيين كانوا دوماً حذرين منه ومختلفي الرأي حوله. فبعضهم يوليه الثقة ويندبه للمهمات، وآخرون يصدرون المذكرات باعتقاله، وأخيراً عندما استقر اسمه في اللائحة السوداء هرب إلى القاهرة ومنها إلى أستراليا حيث مارس التجارة، وفي استراليا كتب في صحفها الإنجليزية من 1928 إلى 1936 ليعود منها أميناً لمكتب الدعاية العربي من 1937 - 1939، ثم عينته حكومة العراق سنة 1940 مديراً للدعاية والنشر، وتولی سكرتيرية الدفاع عن فلسطين، ثم التحق بالسلك الدبلوماسي اللبناني سنة 1944 فعين قنصلاً في عمان في المملكة الأردنية الهاشمية ثم مستشاراً في المفوضية اللبنانية في الأرجنتين، ثم وزيراً مفوضاً في سفارة لبنان في أوتاوا ثم في موسكو، وبقي في خدمة الحكومة اللبنانية حتى أحيل على التقاعد سنة 1962 فانصرف إلى الكتابة والتأليف. ورأس عدة جمعيات ثقافية منها المجلس الثقافي للمتن الشمالي. وفي أثناء وظيفته في الديبلوماسية تابع دراسة الجامعية فنال من جامعة عليكرة الإسلامية رتبة عالم وهي توازي رتبة دكتوراه دولة، كما عمل في الصحافة فأنشأ في دمشق سنة 1919 مجلة القلم بالاشتراك مع عجاج نويهض والمجلة بالاشتراك مع هاني أبي مصلح. وكتب في عدد كبير من الجرائد والمجلات وكانت أكثر مقالاته تدور حول الشؤون الوطنية المتعلقة بسوريا ولبنان والدول الشرق أوسطية.
الباحث سميح متعب الجباعي في كتابه "ذاكرة الثورة 1920-1939 المجاهد متعب الجباعي" أراد أن يشعل شمعة في السياق التاريخي على شخصيته وضمن في نهاية الفصل الرابع من الجزء الأول اطلالة سريعة تحت عنوان: "المجاهد المترجم عبد الله النّجار(1976-1896)، حيث ذكر عنه التالي:
معروفيّ لبنانيّ من بلدة عين مري، سياسيّ وكاتب وشاعر ومترجم، وضعه الفرنسيّون في اللائحة السّوداء 1926؛ ففرّ إلى القاهرة، رغم أنه شغل منصب مدير معارف جبل العرب في عهد الفرنسيّين. دعمته مؤسّسة الدّراسات الفلسطينيّة في بيروت لترجمة وطباعة الكتب التي تعالج القضيّة الفلسطينيّة، في كتابه "الصهيونيّة بين تاريخين" كتب في المقدّمة:
"وُضع هذا الكتاب سدًّا لحاجة القارئ العربي؛ للإلمام بخفايا القضيّة الفلسطينيّة، وبما حِيكَ حولها من مؤامرات؛ لأنّها قضيّة كلّ بلد عربيّ مرتبط مصيره بمصيرها. الكتاب يكشف مصادر القوّة الصهيونيّة التي أوصلت قلّة من اليهود إلى قهر الكثرة العربيّة في عقر دار العرب والتّمركز في أقدس أقطارهم والعبث بمقدّساتهم".
اغتيلَ هو وزوجته نبيهة أمام منزلهما دون أن ينجبا أولاداً، موصياً قبل اغتياله بتخصيص كلِّ أمواله وممتلكاته لمشروع يحمل اسمه واسم زوجته، المشروع هو: مشروع عبد الله النّجار وزوجته نبيهة للتّعليم العالي/انتهى اقتباس من كتاب ذاكرة الثورة 1920-1939 المجاهد متعب الجباعي/...
أخيراً التاريخ أمانة ومصداقية وهو علم ووثيقة وبالتالي المؤرخ الصادق هو الباحث عن المعلومة الواقعية الحاملة لصدق اللحظة، إذ كثيراً ما نصادف بعض العاملي في حقل التأريخ لا يملكون الحيادية والصدق في المعلومة بل استعملوا التأويل والتحريف ولتزيف لطمس الحقائق وإظهار المضمر الذاتي الحامل التشويه للحقائق والوقائع، ولكن كتاب الباحث سميح الجباعي قد ابتعد عن تلك ووضع المقاربات منهجاً والحيادية طريقاً والمصداقية واقعاً لتدوين ما أراد عن الثورة السورية الكبرى وما حملته ذاكرتها من أحداث هامة.... وللحديث بقية....
يسرنا انضمامكم لقناتنا على تيلغرام : انقر هنا